من المحاضرة إلى المشاركة
ربما لاحاجة للقول بأن النموذج التقليدي لتدريس مضمون موضوعٍ ما مثل التاريخ أو الأدب أو علم الاجتماع عن طريق المحاضرة ليس بوسعه أن يفسح مجالاً يستطيع المتعلم فيه أن يحقق التقدم اللازم على مستويات اللغة والفكر والتعبير ليرفع مستوى الكفاءة من المتقدم إلى المتفوق. إنما يحتاج مثل هذا التقدم إلى سياق غني وحي يمتلئ بفرص الكلام والأنشطة التي تشجع المتعلم على التساؤل وإعادة القراءة والاستماع إلى أصوات مختلفة وصياغة وجهة نظر شخصية في الموضوع المطروح ثم التعبير عنها ودعمها إزاء من يعارضه الرأي. وفي المقطع التالي يشرح واحد من الطلبة المسجلين في الصف المذكور آنفاً بعنوان “الربيع العربي” لماذا لا تلبي المحاضرة حاجاته كمتعلم في هذه المرحلة المتقدمة في دراسته للغة العربية.
في نهاية كلامه يضع هذا الطالب يده على بيت القصيد بقوله أن ما ينقصه في صف المحاضرة هو فرص المشاركة التواصلية التي لا غنى عنها في عملية صعود المتعلم إلى المستوى المتقدم. فلا تأتي القدرة على المشاركة بشكل فعّال مصادفة، بل تحتاج إلى تدريب وخبرة وبناء للثقة بالنفس. لذلك يمثل تحول الطالب من متعلم إلى شريك محوراً من أهم محاور التعليم القائم على المحتوى في سياق تدريس الطلاب المتقدمين كما يؤكد د.محمود في تعليقه على مميزات هذا النوع من المساق.
على هذا الأساس تقدم المشاركة نموذجاً بديلاً للمحاضرة في التعليم القائم على المحتوى . وكما سنناقش فيما يلي، فلا يفترض هذا النموذج تحول الطالب بمفرده إلى شريك، بل يغير دور الأستاذ أيضاً إلى نوع من المشاركة بدلاً من التدريس بشكل مباشر. ويستهدف استبدال المحاضرة بالمشاركة زيادة استقلالية الطالب رويداً رويداً حتى يخرج من الصف مسؤولاً عن تعلمه للغة العربية بدرجة أكبر مما كان عليه عندما دخل إليه. وستجدون لاحقاً أمثلة لتطبيق نموذج المشاركة هذا وما يسفر عنه داخل الصف في المشاهد المصورة من مساقي “الربيع العربي” و” المجتمع المصري وثقافته”.