نطرح في هذا المشروع مقترباً جديداً بعض الشيء في مجال تدريس اللغة العربية وهو التدريس عن طريق استخدام الأغاني العربية التعليمية، أي الأغاني التي تتم كتابتها من أجل التدريس وتضم مفردات ومفاهيم نحوية مهمة ومفيدة لطلاب اللغة العربية في الصف التواصلي. وكجزء من عملنا على الوحدة التعليمية الحالية فقد قمنا بكتابة أغنيتين بسيطتين وعلّمناهما لمجموعات من طلاب اللغة العربية في جامعة تكساس في أوستن في النصف الثاني من السنة الأولى من الدراسة. ومع إدراكنا أن مثل هذه الأغاني قد تكون مفيدة أيضاً للطلاب في المستويات الأعلى فقد اخترنا التركيز في هذه الوحدة على الطلاب في السنة الأولى فقط لأننا وجدنا أن المفردات والقواعد في هذا المستوى أكثر مناسبةً للتدريس من خلال الأغاني.
ويُبنى هذا المقترب في استخدام الأغاني في تدريس اللغات الأجنبية على عدة بحوث علمية تشير إلى وجود ربط بين اللغة والموسيقى في الدماغ البشري حيث يبدو أن الكفاءة في الواحد تتفق مع الكفاءة في الآخر. وقد أشارت دراسة نُشرت عام ٢٠٠٦ (Slevc and Miyake 2006) إلى وجود علاقة بين الموهبة الموسيقية والقدرات اللغوية الفونولوجية لدى مجموعة ضمت ٥٠ طالباً يابانياً تراوحت أعمارهم بين ١٩ و٥٢ سنة وانتقلوا إلى الولايات المتحدة بعد بلوغهم الحادية عشر من العمر ١١ سنة وكانوا قد أقاموا بها لمدة ستة شهور على الأقل قبل بداية الدراسة. وخلصت دراسة أخرى في عام ٢٠٠٥ إلى أن التدريب الموسيقي المستمر وعلى وجه الخصوص التدريب الموسيقي في سنوات الطفولة يؤدي إلى ارتفاع في معدل الذكاء في السنوات اللاحقة (Schellenberg 2005). وقامت دراسة أخرى
(Speh and Ahramjian 2009) بتسليط الضوء على التشابهات بين تعلم الأداء الموسيقي وتعلم الكلام بلغة أجنبية عبر الإشارة إلى إن النجاح في كلتا هاتين العمليتين يتطلب التفوق في مهارات تقنية معينة يتم اكتسابها خلال فترة طويلة من الدراسة المنهكة إما في عزف الآلة أو في نطق الكلمات الأجنبية، ولكن الطالب من المفترض أن يؤدي هذه المهارات بنوع من الطبيعية واللاوعي لكي يتواصل مع جمهوره بأقصى درجة من الطلاقة وبدون أي تدخل من حاجزه النفسي. واكتشفت الدراسة في جزء ثانٍ تم إجراؤه خلال عشر سنوات أن استخدام الأغاني في تدريس اللغات الأجنبية أدى إلى نتائج إيجابية واضحة في قدرات الطلاب على حفظ المفردات الجديدة والنطق بدقة وإنتاج الكلام بإيقاع طبيعي.
من هنا فإنّ وحدتنا التعليمية هذه تفيد من هذه الدراسات العلمية حول الربط بين الموسيقى واللغة، وكذلك تفيد من دراسات أخرى لاحظت أن الأصوات تميل إلى البقاء في الدماغ لفترة بعد أن يتم سماعها وهو ما أطلق عليه Stephen Krashen في سياق اكتساب اللغات الأجنبية اسم “الضجة” “Din” وأشار إلى أن هذه الظاهرة تنتج من تنبّه “جهاز اكتساب اللغة” (the LAD) خلال الاستماع إلى لغة جديدة مفهومة بشكل نسبي (Krashen 1983, 43). ويربط Tim Murphey بين الضجة التي يلتقطها جهاز اكتساب اللغة وظاهرة موسيقية يسميها “ظاهرة الأغنية العالقة في الذهن” (the song-stuck-in-my-head phenomenon, or SSIMHP) التي يعتبرها بعداً أساسي من أغاني البوب والأغاني الشعبية. ومن هذا المنطلق يؤكد Murphey على أن للأغاني دوراً مفيداً في تعليم اللغات وتعلمها (Murphey 1992, 773).